الخميس، 4 أغسطس 2011

11 : الموازنة والترجيح بين مصالح ومفاسد التغيير بالثورات


محاكمة رئيس جمهورية مصر في ميزان فقه الموازنة والترجيح

عندما يتعلق الامر بالتغيير بالثورات يجب العمل بفقه المقاصد واستشراف المفاسد التي سيجنيها الوطن العربي من محاكمة حسني مبارك وتطبيق القانون في حقه، وأنه الأولى، كما يرى البعض، تصديره لجزيرة أو فندق أو شرم الشيخ، ذلك أنه وكما يقرر علماء الأصول أنه إذا كان تطبيق النص يفضي إلى مفسدة أكبر منها، يجوز تعطيله استثناءا. 

ماذا سنجني من وراء المحاكمة؟ 
قد يكون الجواب نيل إعجاب المنتظم الدولي، تطبيق القانون ولكن بالمقابل ماذا سنخسر؟

أجاب أحد الباحثين (1) أنه سنخسر بالمقابل ما يلي:

 1. العنف لا يجلب إلا عنفاً، وأن كل محاكمة ستجرى في تونس ومصر واليمن ستجلب عنفاً ومضرة أكبر على البلد.
 2. الحكام في ليبيا واليمن وسوريا سيتعلمون أنهم لن يتخلوا عن الحكم مهما صار بعدما رأوا بن علي ومبارك وما يحدث لهم ولأبنائهم وأزواجهم وأتباعهم
 3. القذافي سيقاتل حتى يُقتل أو يقتل ما يمكن قتله من شعبه.
 4. الأسد وحزبه ومناصروه سيقاتل حتى يُقتل أو يقتل ما يمكن قتله من شعبه.
 5. الحاكم في اليمن سيقاتل حتى يُقتل أو يقتل ما يمكن قتله من شعبه.
 6. بث رسالة في اللاواعي العام: أننا كشعب ليس علينا أي مسؤولية سوى ملاحقة المسؤولين
7. ندخل العالم العربي في عشرين سنة قتال في قضية سوف تخسر في النهاية، لأن العالم لن يكون العالم الذي نعرف أصلاً بعد عشرين سنة، 
ومن تم هذه مفاسد كبرى وعظيمة لا يمكن مقارنتها تماما بحجم المصالح التي قد نجنيها بمحاكمة حسني مبارك، ليسقط القانون إذا كان ذلك سيحقن قطرة دم مسلم واحد، فالقانون تم سنه أساسا من أجل حفظ الأرواح، فهذا هو التطبيق السليم للقانون وقواعد العدالة.

طبق الكاتب فقه الموازنة والترجيح بين المصالح، ويظهر أن اجتهاده أفضل من اجتهاد بعض القضاة الذين يعملون على التطبيق الحرفي للنصوص ولا يعلمون بالأحرى على تطبيق مقاصده وغاياته، حيث أن مصلحة الشعب في محاكمة حسني مبارك مصلحة مرجوحة يجب تفويتها، بمقابل المفاسد التي ستترتب عن التطبيق الحرفي للقانون.

وهذا المنهج الذي اتبعه الباحث ليس بجديد على الأمة، بل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة، رغم أنه هو القائل صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، فلم يقم الحد على صناديد قريش، لمفاسد شاء درئها، ومصالح شاء تحصيلها، كما عمل بذلك (ص) في صلح الحديبية، وكيف تنازل عن شيء من أجل إدراك أشياء أكبر منها. 

كما عمل بهذا المنهج خلفائه الراشدون من بعده، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أسقط حد السرقة إذا كان سيفضي إلى مفسدة أكبر، منع المسلمين من الزواج بالكتابية رغم وجود النص، أسقط حد المؤلفة قلوبهم رغم وجود النص، إذا انتفت العلة من وجوده... وعندي عشرات الأمثلة كيف يتعامل القضاء الفرنسي اليوم مع تطبيق النص، وكيف أنه يغض الطرف عن تطبيق القانون إذا كان تطبيقه سيفضي إلى مفسدة أكبر أو يفوت تحصيل مصلحة راجحة عن المصلحة التي يحميها النص، بشكل يضيق المجال لعرضها هنا. وأحيل القارئ الكريم على رسالة أكثر من رائعة في تقديم المصلحة على النص، لفقيه حنبلي مبدع اسمه نجم الدين الطوفي، كتبها بمناسبة شرحه لحديث "لا ضرر ولا ضرار"، موجودة في كتابه "التعيين في شرح الأربعين"، مؤسسة الريان، 1998، ص 234.

وفي رأيي ان هاته المفاسد متوهمة، وعفو الرسول صلى الله عليه وسلم عن صناديد قريش هو قياس مع الفارق، القانون يجب ان يأخذ مجراه في حق هؤلاء، ويجب محاكمتهم عن الجرائم التي تبث اقترافهم لها، حتى يعرف المجتمع السلم الاجتماعي، وتهدأ النفوس وترتاح، وتعود الحياة العادية الى مجراها.

محمد بلمعلم

------

1- صلاح الراشد، "ما الحل للتغيير إذا لم يكن بالثورات"، موقع الكاتب على الفيسبوك، 2011.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة بروابط أفضل مواقع ومحركات الترجمة الإلكترونية

      السلام عليكم  اضافة   لمحرك الترجمة جوجل، بطبيعة الحال   https://translate.google.fr/?hl=fr   الذي أجده يقوم بالغرض، وتطور كثيرا بالمق...